فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ألا إن خير الناس بعد نبيه ** مهيمنه التاليه في العرف والنكر

قال معناه: القائم على الناس بعده.
وما {العزيز} فهو إما الذي لا يوجد له نظير، وإما الغالب القاهر.
وأما {الجبار} ففيه وجوه أحدها: أنه فعال من جبر إذا أغنى الفقير، وأصلح الكسير.
قال الأزهري: وهو لعمري جابر كل كسير وفقير، وهو جابر دينه الذي ارتضاه، قال العجاج:
قد جبر الدين الإله فجبر

والثاني: أن يكون الجبار من جبره على كذا إذا أكرهه على ما أراده، قال السدي: إنه الذي يقهر الناس ويجبرهم على ما أراده، قال الأزهري: هي لغة تميم، وكثير من الحجازيين يقولونها، وكان الشافعي يقول: جبره السلطان على كذا بغير ألف.
وجعل الفراء الجبار بهذا معنى من أجبره، وهي اللغة المعروفة في الإكراه، فقال: لم أسمع فعالًا من أفعل إلا في حرفين، وهما جبار من أجبر، ودراك من أدرك، وعلى هذا القول الجبار هو القهار الثالث: قال ابن الأنباري: الجبار في صفة الله الذي لا ينال، ومنه قيل للنخلة التي فاتت يد المتناول: جبارة الرابع: قال ابن عباس: الجبار، هو الملك العظيم، قال الواحدي: هذا الذي ذكرناه من معاني الجبار في صفة الله، وللجبار معان في صفة الخلق أحدها: المسلط كقوله: {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق: 45]، والثاني: العظيم الجسم كقوله: {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} [المائدة: 22] والثالث: المتمرد عن عبادة الله، كقوله: {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا} [مريم: 32]، والرابع: القتال كقوله: {بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء: 130] وقوله: {إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأرض} [القصص: 19].
أما قوله: {المتكبر} ففيه وجوه أحدها: قال ابن عباس: الذي تكبر بربوبيته فلا شيء مثله وثانيها: قال قتادة: المتعظم عن كل سوء وثالثها: قال الزجاج: الذي تعظم عن ظلم العباد ورابعها: قال ابن الأنباري: المتكبرة ذو الكبرياء، والكبرياء عند العرب: الملك، ومنه قوله تعالى: {وَتَكُونَ لَكُمَا الكبرياء فِي الأرض} [يونس: 78]، واعلم أن المتكبر في حق الخلق اسم ذم، لأن المتكبر هو الذي يظهر من نفسه الكبر، وذلك نقص في حق الخلق، لأنه ليس له كبر ولا علو، بل ليس معه إلا الحقارة والذلة والمسكنة، فإذا أظهر العلو كان كاذبًا، فكان ذلك مذمومًا في حقه أما الحق سبحانه فله جميع أنواع العلو والكبرياء، فإذا أظهره فقد أرشد العباد إلى تعريف جلاله وعلوه، فكان ذلك في غاية المدح في حقه سبحانه ولهذا السبب لما ذكر هذا الاسم:
قال: {سبحان الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} كأنه قيل: إن المخلوقين قد يتكبرون ويدعون مشاركة الله في هذا الوصف لكنه سبحانه منزه عن التكبر الذي هو حاصل للخلق لأنهم ناقصون بحسب ذواتهم، فادعاؤهم الكبر يكون ضم نقصان الكذب إلى النقصان الذاتي، أما الحق سبحانه فله العلو والعزة، فإذا أظهره كان ذلك ضم كمال إلى كمال، فسبحان الله عما يشركون في إثبات صفة المتكبرية للخلق.
ثم قال: {هُوَ الله الخالق} والخلق هو التقدير معناه أنه يقدر أفعاله على وجوه مخصوصة، فالخالقية راجعة إلى صفة الإرادة.
ثم قال: {البارئ} وهو بمنزلة قولنا: صانع وموجد إلا أنه يفيد اختراع الأجسام، ولذلك يقال في الخلق: برية ولا يقال في الأعراض التي هي كاللون والطعم.
وأما {المصور} فمعناه أنه يخلق صور الخلق على ما يريد، وقدم ذكر الخالق على البارئ، لأن ترجيح الإرادة مقدم على تأثير القدرة وقدم البارئ على المصور، لأن إيجاد الذوات مقدم على إيجاد الصفات.
ثم قال تعالى: {لَهُ الأسماء الحسنى} وقد فسرناه في قوله: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى} [الأعراف: 180].
أما قوله: {يُسَبّحُ لَهُ مَا فِي السموات والأرض وَهُوَ العزيز الحكيم} فقد مر تفسيره في أول سورة الحديد والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب،
والحمد لله رب العالمين، وصلاته على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلم تسليمًا كثيرًا. اهـ.

.قال ابن عطية:

{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}
لما قال تعالى: {من خشية الله} [الحشر: 21] جاء بالأوصاف التي توجب لمخلوقاته هذه الخشية، و{الغيب} ما غاب عن المخلوقين، و{الشهادة} ما شاهدوه. وقال حرب المكي {الغيب}: الآخرة {والشهادة}: الدنيا. وقرأ جمهور الناس: {القُدوس} بضم القاف، وهو فعول من تقدس إذا تطهر، وحظيرة القدس الجنة، لأنها طاهرة، ومنه روح القدس، ومنه الأرض المقدسة بيت المقدس، وروي عن أبي ذر أنه قرأ: {القَدوس} بفتح القاف وهي لغة، و{السلام} معناه: الذي سلم من جوره، وهذا اسم على حذف مضاف أي ذو {السلام}، لأن الإيمان به وتوحيده وأفعاله هي لمن آمن سلام كلها، و{المؤمن} اسم فاعل من آمن بمعنى أمن. قال أحمد بن يحيى ثعلب معناه: المصدق للمؤمنين في أنهم آمنوا. قال النحاس: أو في شهادتهم على الناس في القيامة. وقال ناس من المتأولين معناه: المصدق نفسه في أقواله الأزلية: لا إله غيره و{المهيمن} معناه: الأمين والحفيظ. قاله ابن عباس وقال مؤرج: {المهيمن}: الشاهد بلغة قريش، وهذا بناء لم يجئ منه في الصفات إلا مهيمن ومسيطر ومبيقر ومبيطر، جاء منه في الأسماء مجيمر: وهو اسم واد ومديبر. و: {العزيز} الذي لا يغلب والقاهر الذي لا يقهر يقال عزيز إذا غلب برفع العين في المستقبل. قال الله تعالى: {وعزني في الخطاب} [ص: 23] أي غلبني، وفي المثل من عز بزّ أي من غلب سلب، و{الجبار} هو الذي لا يدانيه شيء ولا يلحق رتبه، ومنه نخلة جبارة إذا لم تلحق وأنشد الزهراوي: الطويل:
أطافت به جيلان عند قطاعه ** وردت إليه الماء حتى تجبرا

و{المتكبر} معناه الذي له التكبر حقًا، ثم نزه الله تعالى نفسه عن إشراك الكفار به الأصنام التي ليس لها شيء من هذه الصفات، و: {البارئ} بمعنى {الخالق}، برأ الله الخلق أي أوجدهم، و: {المصور} هو الذي يوجد الصور، وقرأ علي بن أبي طالب: {المصوَّرَ} بنصب الواو والراء على إعمال {البارئ} به، وهي حسنة يراد بها الجنس في الصور، وقال قوم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إنه قرأ: {المصوَّرِ} بفتح الواو وكسر الراء على قولهم الحسن الوجه وقوله تعالى: {له الأسماء الحسنى} أي ذات الحسن في معانيها القائمة بذاته لا إله إلا هو، وهذه الأسماء هي التي حصرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن لله تعالى تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة»، وقد ذكرها الترمذي وغيره مسندة، واختلف في بعضها ولم يصح فيها شيء إلا إحصاؤها دون تعين، وباقي الآية بين. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الغيب والشهادة}
قال ابن عباس: عالم السر والعلانية.
وقيل: ما كان وما يكون.
وقال سهل: عالم بالآخرة والدنيا.
وقيل: {الغيب} ما لم يعلم العباد ولا عاينوه.
{والشهادة} ما علموا وشاهدوا.
{هُوَ الرحمن الرحيم} تقدّم.
قوله تعالى: {هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ الملك القدوس} أي المنزّه عن كل نقص، والطاهر عن كل عيب.
والقَدَس (بالتحريك): السَّطْل بلغة أهل الحجاز؛ لأنه يتطهر به.
ومنه القادوس لواحد الأواني التي يستخرج بها الماء من البئر بالسانِية.
وكان سِيبويه يقول: قَدُّوس وسَبُّوح؛ بفتح أوّلهما.
وحكى أبو حاتم عن يعقوب أنه سمع عند الكسائيّ أعرابيًا فصيحًا يُكْنَى أبا الدينار يقرأ {القَدّوس} بفتح القاف.
قال ثعلب: كل اسم على فَعُّول فهو مفتوح الأوّل؛ مثل سَفُّود وكَلُّوب وتَنّور وسَمُّور وشَبُّوط، إلا السُّبّوح والقُدوس فإن الضم فيهما أكثر؛ وقد يفتحان.
وكذلك الذُّرّوح (بالضم) وقد يفتح.
{السلام} أي ذو السلامة من النقائص.
وقال ابن العربيّ: اتفق العلماء رحمة الله عليهم على أن معنى قولنا في الله {السلام}: النسبة، تقديره ذو السلامة.
ثم اختلفوا في ترجمة النسبة على ثلاثة أقوال: الأوّل معناه الذي سلِم من كل عيب وبَرِئ من كل نقص.
الثاني معناه ذو السلام؛ أي المسلم على عباده في الجنة؛ كما قال: {سَلاَمٌ قولا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} [يس: 58].
الثالث أن معناه الذي سلم الخلقُ من ظلمه.
قلت: وهذا قول الخطابي؛ وعليه والذي قبله يكون صفة فعل.
وعلى أنه البريء من العيوب والنقائص يكون صفة ذات.
وقيل: السلام معناه المسلِّم لعباده.
{المؤمن} أي المصدّق لرسله بإظهار معجزاته عليهم، ومصدق المؤمنين ما وعدهم به من الثواب، ومصدق الكافرين ما أوعدهم من العقاب.
وقيل: المؤمن الذي يؤمِّن أولياءه من عذابه، ويؤمن عباده من ظلمه؛ يقال: آمنه من الأمان الذي هو ضدّ الخوف؛ كما قال تعالى: {وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 4] فهو مؤمن؛ قال النابغة:
والمُؤمِن العائذاتِ الطيرَ يَمْسَحُها ** رُكْبانُ مَكَّةَ بين الغِيلِ والسَّنَدِ

وقال مجاهد: المؤمن الذي وَحّد نفسه بقوله: {شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ} [آل عمران: 18].
وقال ابن عباس: إذا كان يوم القيامة أخرج أهل التوحيد من النار.
وأوّل من يخرج من وافق اسمه اسم نبيّ، حتى إذا لم يبق فيها من يوافق اسمه اسم نبيّ قال الله تعالى لباقيهم: أنتم المسلمون وأنا السلام، وأنتم المؤمنون وأنا المؤمن، فيخرجهم من النار ببركة هذين الإسمين.
{المهيمن العزيز} تقدّم الكلام في المهيمن في (المائدة) وفي {العزيز} في غير موضع، {الجبار} قال ابن عباس: هو العظيم. وجبروت الله عظمته.
وهو على هذا القول صفة ذات؛ من قولهم: نخلة جَبَّارة.
قال امرؤ القيس:
سوامق جبَّار أثِيث فروعهُ ** وعالين قنوانًا من البُسْر أحمرا

يعني النخلة التي فاتت اليَدَ.
فكان هذا الاسم يدل على عظمة الله وتقديسه عن أن تناله النقائص وصفات الحدث.
وقيل: هو من الجَبْر وهو الإصلاح، يقال: جبرت العظم فجبَر، إذا أصلحته بعد الكسر، فهو فعال من جبر إذا أصلح الكسير وأغنى الفقير.
وقال الفراء: هو من أجبره على الأمر أي قهره.
قال: ولم أسمع فعّالًا من أفعل إلا في جبار ودرّاك من أدرك.
وقيل: الجبار الذي لا تطاق سطوته.
{المتكبر} الذي تكبر بربوبيّته فلا شيء مثله.
وقيل: المتكبر عن كل سوء، المتعظم عما لا يليق به من صفات الحدث والذم.
وأصل الكبر والكبرياء الامتناع وقلة الانقياد.
وقال حميد بن ثور: